سعادة المحامي نجيب بك ابو الشعر


ولد نـجـيـب أبــو الشعــر فـي أســرة كبيرة، والتي ترجح بعض المصادر الى أن هـذه الاســـرة) النمري) قد قدمت من بصرى الشام واستقرت بالحصن ، وكانت ولادته عام 1905م ، في مفتتح القرن العشرين ، وقد تفتحت مداركه على مضافة والده سليم أبو الشعر ، الذي كان تاجراً مرموقاً ، ومزارعاً كبيراً، وكان له دوره الاجتماعي والسياسي الملحوظ ، حيث كان عضواً في المجلس العمومي لقضاء عجلون . ولعل الطفل نجيب أفاد كثيراً من بيئة والده ، فشقيقه هــو أمين أبــــو الشعــر الإعلامــي الكبير وصـاحب ( الرائد) الرائدة في تلك الفترة، وعمه عقيل أبو الشعر الذي أتقن لغات كثيرة واستقر في باريس ، حيث كتب رواية باللغة الفرنسية نشرت هناك قرابة العام 1912م أو بعد ذلك بقليل ، وهذا يدلل على الغنى الثقافي والاجتماعي الذي أحاط بنجيب في شبابه الباكر، مما ساعده لاحقاً على تكوين وعيه الثقافي والسياسي ، وأسهم في توسيع تواجده الاجتماعي بشكل واضح.

التحق بالمدرسة من أجل تقلي العلم والمعارف في سنواته الأولى، من خلال انتظامه في مدرسة اللاتين ، وكان من عادة أعيان المنطقة ارسال ابنائهم إلى القدس من أجل إكمال دراستهم ، لقلة المدارس الثانوية ف يتلك الفترة ، وهذا ما تحقق لنجيب حيث أرسله والده إلى القدس للدراسة في مدرسة دي لاسل ، فأقام فيها ، وقد حصل بفضل اجتهاده والتزامه على شهادة الثانوية التي كانت تسمى التعليم الثانوي ، وكان ذلك عام 1924 م في فترة مبكرة من عمر تأسيس امارة شرق الأردن ، وقد تابع دراسته بعد ذلك من خلال انتسابه إلى معهد الحقوق في القدس، وهو مدرسة تابعة لجامعة السوربون ، وقد أمضى في هذا المعهد أربع سنوات متتالية حصل بعدها على شهادة الحقوق ، وكانت هذه الشهادة تتويجاً لسنوات من الاغتراب والدراسة الصعبة.

أقام نجيب ابو الشعر بعيد انتهاء دراسته في القدس ، وبادر إلى فتح مكتب محاماة خاص به في القدس ، وسمح له هذا العمل الانفتاح على الأسر المقدسية ، والاحتكاك بالعامة ، فعمل على تكريس استقراره عن طريق الزواج بشابة مثقفة من أسرة الخازن المعروفة، والتي تنحدر بالأصل من لبنان ، وقد لاقى مكتب المحاماة نجاحاً ملموساً ، واستمر العمل فيه مزدهراً حتى حدوث النكبة عام 1948م ، وكان من نتائج هذه النكبة القاسمة أن فقد نجيب ابو الشعر عمله ومصدر رزقه وبيته أيضاً. مثله مثل أغلبية الشعب الفلسطيني.

لقد توضح ميوله نحو الخطابة السياسية منذ نعومة أظفاره ، حيث ألقى خطبه بين يدي أمير البلاد عبد الله نيابة عن أهالي المنطقة وهو طالب بمدرسة الحقوق ، وقد أثار اعجاب الأمير عبدالله فمنحه لقب ''بيك'' . وقد أنتخب عضواً في المجلس التشريعي الأول، وهو في الرابعة والعشرين من عمره عن المقعد المسيحي في قضاء عجلون ، و شغل أيضاً منصب المحامي الخاص لسمو الأمير عبد الله ، فكان أهلاً للثقة حاملاً للأمانة ، فتم تعيينه بعد ذلك قنصلاً عاماً لشرق الأردن في القاهرة ممثلاً لشؤون اللاجئين ، وفي العام 1951م عيّن عضواً في مجلس الأعيان الأردني ، وقد وظّف في مناصبه هذه فصاحته وجراءته في الحق ، بالإضافة لقدراته العلمية والعملية في مجال الحقوق ، وقد كوّن في مجال المحاماة مع شقيقه أمين مدرسة متميزة في العمل والاتجاه.

خلال عمله في المجلس التشريعي ، كان سريع الملاحظة ، قادر على توجيه الحوار باتجاه القضايا الساخنة ، وقد شكّل مع عدد من الوطنيين من أمثال نجيب الشريدة وبخيت الابراهيم ومثقال الفايز وشمس الدين سامي ، معارضة واعية لممارسات بعض الحكومات ، وقد برزت هذه المعارضة عند مناقشة المعاهدة الأردنية البريطانية عام 1929م ، و شكّلوا تياراً لرفض المعاهدة في إطار المجلس التشريعي ، و انسحبوا من الجلسة احتجاجاً على المصادقة عليها ، وقد أدى هذا الموقف إلى عزله عن كرسي النيابة بحجة إقامته في القدس ، ولكن تم أعادته للمجلس بقرار من المحكمة الإبتدائية ، فكان دائم الحماسة والفاعلية في جلسات المجلس ، يظهر من خلالها وطنيته العالية القئمة على سعة الأفق، و الإنفتاح على البعد القومي، لذا تم اختياره لإلقاء الكلمة الترحيبية بالشريف الحسين بن علي لدى زيارته للأردن.

كانت مناقشاته ومداخلاته في المجلس محط اهتمام الصحافة ، وكثيراً ما كانت الصحف تنشر هذه المداخلات وتعلّق عليها ، وقد كان له دور في مناقشة القوانين التي عرضت على المجلس موظفاً خبرته ودراسته للحقوق ، وقد أسهم بوضع وتعديل معظم القوانين التي شملت معظم مناحي الحياة والإدارة والمالية وغيرها ، وهي قوانين تأسيسية كانت البلاد بأمس الحاجة لها .

وبعدما حلّ المجلس التشريعي الأول عاد إلى مكتبه في القدس يعمل ويلتقي بالوطنيين والسياسيين ، وقد فجع في هذه المرحلة بوفاة زوجته وهي في ريعان الشباب ، فقد رحلت دون ان تنجب له ابناءً ، فنقل مكتبه لعمّان في أعقاب النكبة ، وكان حاضراً في المناسبات الوطنية والقومية ، ولم تتغيرمواقفه من والوطن والناس نتيجة لعمله كقنصل أو حتى بدخوله مجلس الأعيان.

كانت حياته مثيرة في أحداثها ومساراتها ، وملفتة للإنتباه لمدى تعلّق الناس به والتفافـهم حوله ، لذا رحل عن الدنيا وهو يرفل بعبق الشباب مكلّل بالعمل المتواصل ، كانت وفاته لغزاً لم تفكك رموزه حتى اللحظة ، ففي مساء يوم 1/10/1953م ،وأثناء مغادرته مكتبه في عمـان ، تعرّض للإغتيال برصاصة غادرة استقرت بالقلب النابض فأسكته ، وكان فقدانه مفاجئاً ومؤلماً ، ولازال يثير الحرقة حتى اليوم ، لقد خسرنا رجلاً من رجال العصر الذهبي ، رجال مرحلة التأسيس ، حيث تم تشييع جثمانه إلى مسقط رأسه الحصن ليستقر هناك في بؤرة الوجدان ، وليضيء رغم مرور السنوات مشاعل الذاكرة الوطنية الغنية بالأوفياء

No comments:

Post a Comment